كان يتحدث عن أمله وقناعته بأن نساء مصر هنّ من سيهزمن التيار الإسلامي، هكذا أقنعه إعلام الدجل، والشاشات التي لا تنقل إلا صورة الأقلية المتوحشة للعلمانيات، اللاتي رغم قلتهن العددية، وإنفصالهن التام عن واقع المصريات، إلا أنهن يفرضن أنفسهن بإعتبارهن وصيّات ومتحدثات رسميات بإسم نساء مصر، ويخرجن بين الحين والآخر بأسماء متبجحة لحركاتهن الهزلية تحت أسماء من قبيل: نساء مصر.
وإذا إقتربت ممن يتحدثن بإسم نساء مصر من ناشطات وإعلاميات ومثقفات وجدتهن يتحدثن عن كل شيء إلا نساء مصر.. فالغالبية الساحقة من نساء مصر محجبات ومنتقبات أما هؤلاء فلا يغطين حتى شعورهن، لذا فإنهن يتحسرن دومًا على المرأة المصرية في الستينات، ويُطلن الندب والنواح على ذهاب عصر الميني جيب وحلول عصر الخمار والنقاب..
ليس المظهر وحده الذي يفرق بين نساء مصر والمتبجحات بالحديث بإسمهن قسرًا وعدوانًا، بل إن الهموم والآمال، المشكلات والصعاب، الأفراح والأتراح، لا تجد فيها ولو نقطة التقاء واحدة.. ويكفي أن أي راصد للمشهد المصري بموضوعية سيعلم أن الناشطات العلمانيات تتركز مشكلتهن في كلمة واحدة وهي الرجل.. فهنّ في حرب دائمة عليه، يهدفن إلى ترويضه وتطويعه وتمييعه وإعادة هيكلته، ولديهن حساسية قاتلة تجاه العديد من المفاهيم الإسلامية، وعلى رأسها القوامة.
أما المرأة المصرية على أرض الواقع فليست لديها مشكلة مع الرجل، ولا مع القوامة، بل إن مشكلتها في ضياع القوامة، وظاهرة الرجل الاتكالي.. والرجل العاطل، المرأة المصرية لديها نفور فطري شديد تجاه الرجل الليبرالي الذي لا يغار عليها ولا يُشعرها بالأمان والحماية، ويمنحها تلك المساواة الغبية الحمقاء التي تفترض أن إنصاف المرأة في أن تكون هي والرجل سواء في كل شيء.. فيتركها تدفع نصف الحساب في المطعم، ويسرف في مساواتها فيستولي على راتبها كله، ويتركها تتحمل أعباء البيت والعمل، أوليس هذا مقتضى المساواة العلمانية، والتي تجرعتها المرأة المصرية غصصًا فتحطمت ذاتها إرهاقًا ونكدًا، تحت شعارات: المساواة وتحقيق الذات.
والمتأمل للمشهد المصري يعلم أن النساء هن الأكثر تدينًا، والأكثر التزامًا وميلًا للخطاب الإسلامي، وأن الحشد النسائي الإسلامي في مصر كبير جدًا ولكنه يفتقر إلى القيادات البارزة، وإذا ظهرت نماذج لهذه القيادات إستقبلها العلمانيون بإستخفاف وإنتقاص، وهزئوا بالحجاب والكنية، وسحبوا شعاراتهم عن تمكين المرأة في خسة نادرة.. فالتمكين ليس للمرأة المسلمة، هو فقط للمتعرية والمتفلتة والكارهة للدين.
لقد مارس الإعلام أقوى أساليب إستعداء المرأة المصرية على التيار الإسلامي قبيل الإستفتاء الأخير على الدستور في شهر ديسمبر الماضي، وظلوا يرددون الأكاذيب تلو الأكاذيب بدءًا من زواج البنت في التاسعة، وحتى عودة ملك اليمين، بل إنهم إستنكروا أن يكتب في ديباجة الدستور الحديث العظيم: النساء شقائق الرجال.. لأنه عبارة تراثية!
وصدقوا أنفسهم في أن المرأة ستهزم الإسلاميين في صناديق الإستفتاء، وتأثرت بعض النساء بهذه الدعايا، ولكن الغالبية الصامتة تعاملت بثبات وهدوء ونصرت التيار الإسلامي كالعادة، وصفعت المرأة المصرية دعاة العلمانية مجددًا.
ولكن المعارضة العلمانية في مصر مريضة بجنون العظمة، فهي لا ترى إلا نفسها وأتباعها، وتنكر الحقائق وتستكبر إستكبارًا تستحق الشفقة عليه.. وليتهم كانوا يتبعون عبارة: من ليس معي فهو ضدي، ففيها إعتراف بالآخر ومعاداة له مبنية على إدراكه، ولكنهم يتبعون شعارًا آخرًا وهو: من ليس معي فأنا لا أراه.. فهو غير موجود!
ولا زلت أتذكر تلك المرأة التي رأيتها في طوابير الإستفتاء، متأنقة متبرجة مفتخرة بكلماتها الإنجليزية مصطنعة للمشكلات مع الواقفات، تسب وتلعن في الإسلاميين، تطعن في النقاب وتهزأ بالخمار رغم أن أكثر من 70% من طوابير النساء يظهر عليها السمت الإسلامي بوضوح، فأثارت بلبلة، ودخلت في مهاترات مع من حولها.. وفي النهاية قالت بصوتها العالي: الأغلبية ستصوت بلا.. أما إذا جاءت النتيجة بنعم فهو تزوير أكيد..
هكذا ترى نفسها الأغلبية، ولا تعي الواقع من حولها، وهكذا من يظنون أن المرأة المصرية هي ثلة الناشطات العلمانيات القليلات جدًا، واللاتي لا يبلغن مجتمعات عدد مجموعة من الأخوات في محاضرة لعالم شهير، وهكذا من يعلقون آمالهم على أن ينجح الإعلام والدراما في أن تكره المرأة المصرية دينها الإسلامي، وتنقم على مبادئه، ويتناسون أن المرأة المصرية في القرن الحادي والعشرين جاهدت كي تعيد إلى وجهها نقابًا أحرقته هدى شعراوي منذ قرن، ولم تفلح معاول التغريب والتشويه على مدار أكثر من 100 عام إلا في أن تزداد المصريات تمسكًا وحبًا لدينهن وسنة نبيهن.
الكاتب: مي عباس.
المصدر: موقع رسالة المرأة.